أُقيمت في دار المجمع العلمي العربي في دمشق عصر يوم السبت الوقع في 10 آب سنة 1925م حفلة تكريم كبرى باسم أمير شعراء العصر (أحمد شوقي بك) أقامها جمهور من أدباء الحاضرة على اختلاف الطبقات والطوائف. وقد شهدها جمهور كبير من أعيان دمشق وعلمائها وفضلائها قدر بألف وخمسمئة، وفيهم طائفة كبيرة من طلاب المدارس العالية وعامة الناس الذين أصبحوا في شوق شديد إلى رؤية (شوقي) واستجلاء هلاله، بعد أن سمعوا الدرَّ من لفظه، السحر الحلال من أقواله.
وقائع الحفلة
|
مقطتفات من كلمة الأستاذ محمد كرد علي
"إن اجتمع الدمشقيون في هذه الردهة التي اشتهرت بتعظيم النوابغ والتنويه بالنبوغ، فإنما كان اجتماعهم اليوم لتكريم مصر، وناهيكم بفضل مصر على كلِّ مصر. وإذا اغتبطوا بأن قاموا بواجب عليهم، فسرَّ اغتباطهم أنهم رأوا طلعةَ عزيزٍ على مجتمعهم أفضلَ عليه بأدبه أيَّ إفضال، وأظهر الشعر في غير مظهره الذي كان له في القرون الأخيرة...
ولا عجب فإن أحمد شوقي في شعراء القرن الرابع عشر كسميِّه أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي في القرن الرابع، مع مراعاة ما بين العصرين من الفوارق..."
ثم قارن بين الشاعرين من جهة أنهما رزقا السعادة في شعرهما لكنه خالف بينهما من جهة خلة (الوفاء) إزاء ممدوحيهما. فإن:
"عميد الشعر في هذا العصر وفيٌّ لمخدومه في حالتي الإقبال والإدبار، ولذَّ له في هذا السبيل من أبواب المروءة كلَّ عناء...".
مقطتفات من قصيدة الشاعر شفيق جبري
حنَّت إلى بردى فحيّ رجالها |
| الله مكَّن في العيون مثالها |
تلك الأواصر لم تزل معقولة |
| من عهد عمرو من يحلّ عقالها؟ |
........ |
| ........ |
غنِّ الديار وقد نزلت بآلها |
| فعسى القوافي أن تذكر آلها |
للشعر آيات إذا غنَّى بها |
| أهل الحمى فعلت بهم أفعالها |
........ |
| ........ |
ألقت إليك العبقرية سرَّها |
| وحنت عليك وجررت أذياها |
لله شِعرك في القلوب فإنه |
| بلغ القلوب فهزها وأمالها |
ملكت يراعتك البيان وقصرت |
| عنها يراع ما تصول حيالها |
فصقلت حاشية القريض ولم تكن |
| متكلفًا تدبيجها وصقالها |
شوقي أمير الشعر غير مدافع |
| غرر القريض خلت له وخلا لها |
وإذا الجزيرة صدرت شعراءها |
| كانوا عيالًا وهو بذَّ عيالها |
مقطتفات من كلمة الأستاذ فارس الخوري
"فيما عدا الجنس واللغة – وهما أمتن الروابط القومية – قد ائتلف القطران [السوري والمصري] بالنظام الإداري أمدًا طويلًا. وها إن الشريعة الإسلامية الغراء مازالت منذ ثلاثة عشر قرنًا مسيطرة على تسديد المعاملات وتنظيم الشرائع في مصر وسوريةعلى نمط يكاد يكون واحدًا. ولا يجهل العارفون أن وحدة التشريع تنشئ الأقوام على وحدة المبادئ والعادات وتقرِّب المتباعدين، فكيف بها بين قطرين شقيقين وقومين متحدين في عنصرهما ولسانهما...
ربما كانت هذه المرة هي الأولى التي يزور بها شاعر العرب مدينة دمشق؛ بيد أن قصائده الرائعة مازالت منذ أمد بعيد تفتح قلوب السوريي وتعد له فيها منازل الإكرام والإعجاب. كلُّ بيت من شعره بنى له في القلوب بيوتًا عامرة ينزل بها على الرحب والإعزاز. فلا جبال سينا التي تعاصى بلوغها على موسى الكليم، ولا البحر الفاصل الذي صدَّ فرعون وجنوده عن اللحاق بأبناء إبراهيم – كانت قادرة على إيقاف سيل الشعر العضذب الذي يرسله أمير الشعر الموجة تلو الموجة، فيثب فوق الجبال ويخوض لجج البحار وينتهي إلى القلوب المكتئبة فينعشها وإلى المهج الظامئة فيرويها ..."
مقطتفات من قصيدة الشاعر خليل مرم بك
برزت بزينتها إليك الشام |
| وافترَّ بشرًا ثغرها البسام |
فتجاوب الأطيار بين رياضها |
| منها عليك تحية وسلام |
........ |
| ........ |
واشتد أسر الشعر فيك وطالما |
| كانت تساور جسمه الأسقام |
تبني من الأبيات كلَّ ممرَّد |
| من شأنه التشييد والإحكام |
........ |
| ........ |
قد كان للمجد الموطد ركنه |
| من قاسيون ذروة وسنام |
قم واستلم دور الخلافة إنها |
| أمسى لها بيد الردى استسلام |
طفْ في زواياها وعظم شأنها |
| من شأنها التعظيم والإكرام |
ماذا دهى الخضراء صوَّح غصنها |
| وعلا محياها الوسيم قتام |
فكأنها لم يأتلق في أفقها |
| عمر الخليفة والإمام هشام |
اعزز على الخلفاء ذلَّ بلادهم |
| ولو انهم تحت التراب رمام |
مقطتفات من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي
قم ناجِ جلَّق وانشد رسم مَن بانوا |
| مشت على الرسم أحداث وأزمان |
هذا الأديم كتاب لا كفاء له |
| رث الصحائف باقٍ منه عنوان |
........ |
| ........ |
آمنت بالله واستثنيت جنته |
| دمشق روح وجنات وريحان |
قال الرفاق وقد هبَّت خمائلها |
| الأرض دار لها الفيحاء بستان |
جرى وصفق يلقانا بها بردى |
| كما تلقَّاك بها دون الخلد رضوان |
وأقبلت بالنبات الأرض مختلفًا |
| أفوافه فهو أصباغ وألوان |
وقد صفا بردى للريح فابتردت |
| لدى ستور حواشيهن أفنان |
........ |
| ........ |
يا فتية الشام شكرًا لا انقضاء له |
| لو ان إحسانكم يجزيه شكران |
ما فوق راحاتكم يوم السماح يد |
| ولا كأوطانكم في البشر أوطان |
خميلة الله وشتها يدٌ لكم |
| فهل لها قيِّم منكم وجنَّان |
الملك أن تعملوا ما اسطعتم عملًا |
| وأن يبين على الأعمال إتقان |
الملك أن تخرج الأموال ناشطة |
| لمطلب فيه إصلاح وعمران |
الملك أن تتلاقوا في هوى وطن |
| تفرَّقت فيه أجناس وأديان |
........ |
| ........ |
نصيحة ملؤها الإخلاص صادقة |
| والنصح خالصه دين وإيمان |
الشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة |
| أو حكمة فهو تقطيع وأوزان |
ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم |
| ونحن في الجرح والآلام إخوان |