في شهر ربيع الأول سنة 1363هـ مرَّ على مولد أبي العلاء ألف سنة، فرأى المجمع أن يحيي من هذه الحادثة ذكرى تكون وسيلة للاستقصاء في دراسة أبي العلاء والتنقيب عن آثاره. فعزم على إقامة مهرجان أدبي يفتتح في اليوم الثامن من شوال سنة 1363هـ (25 أيلول 1944م)، ودعا إليه أقطاب العلم والأدب في الأقطار العربية وبعض الأقطار الشرقية والغربية. ولم يكد يعلن عزمه على ذلك، حتى تجاوبت بهذا الخبر أقطار العالم، وبالغت مصر في تأييد المجمع ومؤازرته في هذا العمل، حتى نزلت له عن هذا المشروع بعد أن كانت عازمة عليه.
ولما أظلَّ الوقت المعيَّن، وصلت الوفود إلى دمشق، فاستقبلهم أعضاء المجمع، واحتفت بهم دمشق حكومتها وشعبها أبلغ احتفاء، وحلُّوا ضيوفًا على المجمع. والتقى أدباء مصر والعراق وفلسطين والأردن ولبنان وسورية في مكان واحد، وكان هذا الاجتماع أعظم سوق أدبية شهدتها دمشق في تاريخها.
افتُتح المهرجان في دمشق تحت رعاية رئيس الجمهورية السيد شكري القوتلي، واستمرَّ أسبوعًا كاملًا أُقيمت حفلاته الخطابية في دمشق ومعرة النعمان وحلب واللاذقية، فشهدت البلاد حدثًا أدبيًّا فريدًا في تاريخ الأدب العربي.
الوفود المشاركة في المهرجان
وفد مصر: (طه حسين، أحمد أمين، إبراهيم عبد القادر المازني، عبد الحميد العبّادي، عبد الوهاب عزّام، أحمد الشايب).
قدَّم هذا الوفد فور وصوله هديةَ وزارة المعارف المصرية وهي كتاب (تعريف القدماء بأبي العلاء) الذي طبعته مصر تخليدًا لذكرى المهرجان.
من العراق: (طه الراوي، محمد مهدي الجواهري، مهدي البصير).
من لبنان: (عارف العارف، أنيس الخوري المقدسي، أنيس النصولي، رئيف خوري، فؤاد أفرام البستاني).
من فلسطين: (عزمي النشاشيبي).
من الأردن: (محمد الشريقي، أديب وهبة).
من إيران: (عباس إقبال).
من إنكلترا: (ألفريد غليوم).
من فرنسا: (هنري لاووست).
من سورية: (محمد البزم، عارف النكدي، جميل صليبا، بدوي الجبل، عبد القادر المغربي، سليم الجندي، شفيق جبري، عمر أبو ريشة، سامي الكيالي، جهان الموصلي).
أيام المهرجان
اليوم الأول (الإثنين 25 أيلول 1944م)
زار أعضاء الوفود في اليوم الأول من أيام المهرجان رئيسَ الجمهورية، ثم مجلس النواب حيث ألقى الدكتور طه حسين كلمة في مجلس النواب كلمة باسم الوفد المصري، وردّ عليه رئيس المجلس السيد فارس الخوري بكلمة مناسبة.
ثم أقام المجمع مأدبة غداء في فندق (أوريان بالاس) أطلق عليها «المائدة العلائية»، طُبخ بها الطعام وعولج على شروط أبي العلاء في تحريم ما حرَّم على نفسه، فكان الطعام خاليًا من اللحم والسَّمن واللبن والبيض.
جلسة الافتتاح (مدرج الجامعة السورية، الساعة 17)
كلمة السيد شكري القوتلي، رئيس الجمهورية.
كلمة السيد نصوحي البخاري، وزير المعارف.
كلمة الأستاذ محمد كرد علي، رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق.
كلمة الدكتور طه حسين، رئيس وفد وزارة المعارف المصرية. (كان معظمها حديثه عن كتاب الفصول والغايات للمعري).
قصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري، ممثل وزارة المعارف العراقية. (القصيدة بعنوان "الفيلسوف الحر" (85 بيتًا).
كلمة الأستاذ أحمد الشايب، ممثل جامعة فؤاد الأول بالقاهرة. (أبو العلاء شاعر أم فيلسوف؟)
اليوم الثاني (الثلاثاء 26 أيلول 1944م)
في صباح هذا اليوم زار أعضاء الوفود متحف دمشق، والجامع الأموي، والمدرسة العادلية (مقر المجمع)، والمكتبة الظاهرية، وضريح صلاح الدين الأيوبي، والبيمارستان، ثم أجابوا دعوة وزير المعارف إلى الغداء في الفندق نفسه، ولكن بعد رفع شروط الحظر العلائية.
وفي المساء عُقدت الجلسة الأولى للمهرجان في مدرج الجامعة السورية، وأٌلقيت فيها البحوث الآتية:
الأستاذ أحمد أمين (ممثل كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول) | |
الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي (عضو المجمع المراسل من فلسطين) | |
أبو العلاء (قصيدة: 163 بيتًا) | الأستاذ محمد البزم (عضو المجمع العلمي العربي) |
الأستاذ ألفريد غليوم (جامعة أكسفورد، عضو المجمع المراسل من إنكلترا) | |
الأستاذ عارف النكدي (عضو المجمع العلمي العربي) |
وبعد انتهاء الجلسة أقام لهم المجمع حفلة عشاء في حديقة متحف دمشق.
اليوم الثالث (الأربعاء 27 أيلول 1944م)
في هذا اليوم انطلق أعضاء الوفود وأعضاء المجمع في عشر سيارات لزيارة ضريح أبي العلاء في معرّة النعمان، وعندما وصلوا إلى حماة استقبلهم المحافظ خالد الداغستاني وجمهور من أهل حماة، وانطلق الجميع إلى (دار العلم والتربية)، وفيها ألقى المحافظ كلمة ترحيبيّة، ثم دعاهم إلى تناول الغداء في فندق أبي الفداء، قرب نواعير حماه، وفي الفندق تكلّم كلٌّ من طه حسين وأحمد أمين وعبد الوهاب عزّام وطه الراوي وأديب وهبي عن حماة، وعن مهرجان المعرّي، وعن الجامعة العربية، وعن الصلات العربيّة الجامعة للعرب والموحِّدة لهم، وقد ألقيت كلّ تلك الكلمات على مأدبة الغداء الفاخرة التي تميّزت بالكرم الحموي والتي أعدّها لهم المحافظ في فندق أبي الفداء.
وما إن انتهى الغداء حتى اتجه الركب إلى معرّة النعمان، التي استقبلهم فيها نائبها السيد حكمة الحراكي مع وفد شعبيّ كبير، ثم ساروا إلى ضريح أبي العلاء مشيًا على الأقدام، وبلغوا القبر في العشية يحيط بهم أهل المدينة كبارهم وصغارهم في موكب مهيب لم تشهد المعرة مثله.
بدأت الزيارة بتلاوة عشر من القرآن الكريم، ثم ألقى طه حسين كلمةً كانت «مناجاة أبي العلاء»، وتبعه محمد الشريقي فألقى قصيدة للشاعر معروف الرصافي عنوانها «شاعر البشر»، وتبعه مهدي البصير بكلمة «على قبر أبي العلاء».
وعاد الرَّكب بعد ذلك إلى بيت النائب حكمة الحراكي الذي كان أعدّ لهم عنده عشاء حمويًّا مميزًا، وغادر الضيوف قاصدين مدينة حلب التي وصلوا إليها بعد منتصف الليل بقليل، وكان محافظها السيد إحسان الشريف في استقبالهم عند مدخل فندق (البارون) الذي حلّوا فيه، استعدادًا لمتابعة جلسات المهرجان في يوم الخميس.
اليوم الرابع (الخميس 28 أيلول 1944م)
في صباح هذا اليوم زار أعضاء الوفود قلعة حلب، والمتحف، والمكتبة الوطنية، ودار الحكومة حيث استقبلهم محافظ حلب الأستاذ إحسان الجابري استقبالًا رسميًّا، ثم دعاهم إلى تناول الغداء في فندق (البارون).
وبعد الظهر زاروا ضريح الزعيم إبراهيم هنانو، ثم توجّهوا إلى مدرسة التجهيز، حيث هُيِّئت باحتها لعقد الجلسة الرابعة، ففُرشتْ وزُيِّنت بالأعلام العربية والأنوار، وأعدّت مكبِّرات الصوت، وامتلأت المدرسة والطرق المؤديّة إليها بالجماهير. وبعد سماع الكلمة الترحيبية من محافظ حلب أُلقيت الكلمات الآتية:
الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني (مندوب نقابة الصحفيين المصريين) | |
الأستاذ طه الراوي | |
الفيلسوف (قصيدة: 85 بيتًا) | الأستاذ عمر أبو ريشة |
الأستاذ سامي الكيالي | |
فن أبي العلاء | الدكتور طه حسين |
اليوم الخامس (الجمعة 29 أيلول 1944م)
في صباح هذا اليوم قصد أعضاء الوفود مدينة اللاذقية، ولما وصلوا مدينة (إدلب) استُقبلوا استقبالًا شعبيًّا حافلًا أعدّته بلديّة إدلب شارك فيه المئات من الطلاب والطالبات. ثم تابعوا طريقهم إلى غابات الفرلُّق حيث دعاهم محافظ اللاذقية، الأمير المجمعي مصطفى الشهابي، إلى الغداء فيها. وكان رئيس البلدية عدنان الأزهري دعا بعض المواطنين من التركمان ليطربوا الضيوف بالعزف الشعبيّ على مزاميرهم وغنائهم. ثم ألقى رئيس البلدية كلمة على المائدة رحب فيها بالضيوف وحيّاهم باسم اللاذقيّة. وتوجّه الرّكب بعد الغداء إلى اللاذقية، وحلّوا في فندق السياحة والاصطياف المشرف على البحر، فاستراحوا قليلًا، ثم نزلوا إلى مكان الاحتفال في الفندق نفسه، وكانت الجماهير تحتشد في الجوانب المحيطة بمكان الاحتفال. وبدأت الجلسة الخامسة بكلمة ترحيبية للأمير مصطفى الشهابي، ثم أُلقيت الكلمات الآتية:
الأستاذ عبد الحميد العبّادي (عميد كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول) | |
الدكتور جميل صليبا (عضو المجمع العلمي العربي بدمشق) | |
الشاعر بدوي الجبل | |
الأستاذ محمد الشريقي | |
الأستاذ أنيس المقدسي (ممثّل الجامعة الأمريكية ببيروت) |
وبعد انتهاء الحفل توجّه أعضاء الوفود إلى دار المحافظ الذي دعاهم إلى العشاء مع عدد كبير من وجهاء اللاذقية وأعيانها وكبار موظفيها. وكان عشاء سامرًا شارك فيه الزَّجَل الشعبي بغنائه وإنشاده الجميل.
اليوم السادس (السبت 30 أيلول 1944م)
في صباح هذا اليوم تجوَّل أعضاء الوفود في مدينة اللاذقية حتى وصلوا إلى الشارع الذي أَطلقتْ عليه البلدية اسم (أبي العلاء)، فافتتحوه وساروا فيه بين صداع الموسيقى وهتاف الجماهير وتصفيقهم. ثم زاروا دار الكتب الوطنية التي شيّدها المحافظ.
بعد ذلك اتّجه الركب نحو دمشق، فمرُّوا بمدينة (حمص) ووقفوا فيها، وكان في استقبالهم محافظها السيد فؤاد الحلبي، ورئيس بلديّتها السيد فيضي الأتاسي الذي أعدَّ للزوار وليمة فاخرة في حديقة البلدية، وتكلم على المائدة السيد فيضي الأتاسي بكلمة ترحيبية، وردّ الدكتور عارف النكدي والدكتور عبد الوهاب عزام بكلمتي شكر. وبعد ذلك زار أعضاء الوفد رئيس الجمهورية السابق السيد هاشم الأتاسي، ثم تابعوا طريقهم إلى دمشق.
وفي المساء أقام الدكتور طه حسين في فندق (أوريان بلاس) مأدبة عشاء دعا إليها الوزراء وأعضاء الوفود. وألقى الشاعر مهدي الجواهري أبياتًا أثناء العشاء، ثم دعا طه حسين وأصحابَه إلى زيارة العراق. وتبادل المدعوّون أطراف الأحاديث وما تركته احتفالات المدن السورية في نفوسهم من آثار حميدة وذكريات جميلة.
اليوم السابع (الأحد 1 تشرين الأول 1944م)
اتجه أعضاء الوفود في صباح هذا اليوم نحو مصيف بلودان حيث أعدَّ المجمع لهم مأدبة غداء في (فندق بلودان الكبير) دعا إليها أعضاء الوفود ومن يرافقهم، وعادوا بعد الغداء إلى دمشق لحضور الجلسة الأخيرة من جلسات المهرجان.
افتتحت الجلسة في الساعة الخامسة في (مدرج الجامعة السورية)، وأُلقيت فيها الكلمات الآتية:
الدكتور عبد الوهاب عزّام (العضو المراسل في مجمع دمشق) | |
الشيخ عبد القادر المغربي (عضو مجمع دمشق) | |
الأستاذ محمد سليم الجندي (عضو مجمع دمشق) | |
المستشرق هنري لاووست (العضو المراسل في مجمع دمشق من فرنسا) | |
الأستاذ شفيق جبري (عضو مجمع دمشق) | |
الأستاذ فؤاد البستاني (من لبنان) | |
الأستاذ أديب وهبة (من الأردن) | |
الآنسة جهان الموصلي (مندوبة الندوة الثقافية النسوية) | |
الأستاذ عارف العارف (من لبنان) | |
الأستاذ عزمي النشاشيبي (مندوب الإذاعة الفلسطينية) |
وعقب انتهاء الجلسة الأخيرة للمهرجان، توجّهت الوفود المشاركة إلى دارة رئيس الجمهورية شكري القوّتلي، الذي أقام مأدبة عشاء فخمة على شرف الوفود العربية، ودعا إليها الوزراء والمجمعيِّين، وعددًا كبيرًا من رجالات الأدب والفكر والصحافة. وتحدّث على المائدة كلٌّ من الشيخ محمد بهجة البيطار، والأستاذ أحمد أمين، والدكتور طه حسين، وارتجل الرئيس القوتلي كلمة شكر فيها الوفود.
واختتم المهرجان نشاطه في منتصف الليل من اليوم الأول من شهر تشرين الأول سنة 1944.
كتاب المهرجان
لقد كان ما أُلقي في هذا المهرجان وكُتبَ لأجله من الدراسات والبحوث والقصائد والخطب، من خيرة ما جادت به قرائح أقطاب العلم والأدب في ذلك الوقت. ولذلك حرص المجمع أن يجمع كلَّ ذلك في سفر واحد يكون سجلًّا تاريخيًّا لأحداث المهرجان ووقائعه، ومرجعًا نفيسًا جامعًا كلَّ ما قيل في جلساته، وكلَّ ما أُلحق بها من كلمات لم يحضر أصحابها. وقد أصدر المجمع العلمي العربي بدمشق هذا الكتاب ضمن مطبوعاته سنة 1945م بعنوان (المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري: يشتمل على وصف المهرجان الذي أقامه المجمع العلمي العربي لذكرى مرور ألف سنة على مولد أبي العلاء وما قيل فيه من القصائد والخطب). وبلغ عدد صفحاته زهاء 400 صفحة.
وقد ذُيِّل الكتاب بالكلمات التي بعث بها أصحابها لتُنشر فيه بعد أن تعذر حضورهم إلى دمشق في أسبوع المهرجان، وكانت كما يلي:
الأستاذ محمد رضا الشبيبي (رئيس مجلس النواب العراقي) | |
الأستاذ إبراهيم مصطفى (مندوب جامعة فاروق الأول) | |
الأستاذ عباس إقبال (من إيران) | |
الدكتور فيليب حتي (من جامعة برنستون) | |
الشيخ كاظم الدجيلي (قنصل العراق في تبريز) | |
الأستاذ فخري البارودي |